لقد حظي التعليم في الأردن باهتمام منقطع النظير على جميع المستويات من قبل القيادة الهاشمية الحكيمة، حيث تم إنشاء عدد من الجامعات الرسمية، التي امتازت بسمعتها الممتازة على مستوى العالم والوطن العربي، رغم حداثتها بالمقارنة ببعض الجامعات العربية. إن خريجي الجامعات الأردنية، يشهد لهم القاصي والداني بالكفاءة والقدرة العلمية والعملية، وهذا ما نفتخر به دائمًا. إن التطرق لبعض المشكلات ما هو إلا سعي لمزيد من العطاء والإنجاز.
إن الوضع المالي للجامعات الحكومية يحتاج إلى تحليل شامل للأسباب والحلول، حيث إن أساس التحديات المالية في الجامعات الحكومية يكمن في الرواتب للهيئات التدريسية والموظفين معًا. وفي ظل التحديات المالية التي تواجه الجامعات الحكومية، يتعين علينا التوقف لحظة للتأمل في الأسباب العميقة التي أدت إلى تفاقم هذه الأزمات. بينما تسجل الجامعات الخاصة أرباحها السنوية، تواصل الجامعات الحكومية مواجهتها للديون والضغوط المالية، مع ملاحظة مهمة أن الجامعات الحكومية ليس من غاياتها تحقيق الربح، لكن الوفر المالي لها يدعم نوعية التعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع، وهذا ما يدفعنا نحو البحث عن العوامل المؤثرة في تلك الأزمات.
ومن هذه العوامل الرواتب الفلكية والامتيازات الممنوحة لأعضاء الهيئات التدريسية التي تثقل كاهل الجامعات، خاصة بعد تعديل قانون الجامعات الذي زاد من عمر تقاعد المدرسين في دولة عدد العاطلين فيها بتزايد مستمر. فهذه الأعباء المالية لا تؤثر فقط على قدرة الجامعات على تطوير بنيتها التحتية، بل تتسبب أيضًا في تأخير صرف الرواتب للمدرسين والموظفين على حد سواء، مما ينعكس سلبًا على أدائهم. وهذا التأثير يمتد ليشمل التصنيف العالمي للجامعات، حيث تعتمد المؤسسات الأكاديمية على سمعتها كعامل جذب للطلاب والباحثين.
لقد زاد النقاش حول أزمة مديونية الجامعات الحكومية على مدار العقدين الماضيين، حيث يشير البعض إلى نقص التمويل الحكومي، وانخفاض الرسوم الجامعية. علمًا بأن بعض الجامعات قامت برفع الرسوم في الفترة الماضية، لكن دون جدوى. رغم أهمية هذه النقاط، إلا أن الكثير من الجامعات الحكومية رسومها متقاربة أو أعلى من رسوم بعض الجامعات الخاصة التي تحقق ربحًا سنويًا، لذا فإن السبب الجذري للأزمة المالية قد يعود إلى القرارات الإدارية الخاطئة التي اتُخذت تحت ضغوط شعبوية، والتي قد لا تظهر آثارها الفورية، لكنها تؤدي إلى نتائج وخيمة على المدى الطويل.
إن الحلول لهذه الأزمات، وأنا جزء من الجسم الأكاديمي، تتطلب شجاعة في اتخاذ القرارات وإعادة تقييم السياسات المالية والإدارية. وأنه لمن الضروري أن تعيد الجامعات رسم استراتيجياتها المالية وهيكلة الرواتب الفلكية والمكافآت وبدل العمل الإضافي وبدل الموازي. وقد لوحظ مؤخرًا أن بعض المدرسين في الجامعات الخاصة ممن يحملون درجات أكاديمية عليا تقدموا للتعيين في الجامعات الحكومية متنازلين عن درجاتهم الأكاديمية مقابل تعيينهم مدرس أستاذ مساعد، للاستفادة من الرواتب الفلكية في تلك الجامعات. كما ينبغي أن تتوجه جهود الحكومة لدعم الجامعات الحكومية بطريقة تعزز من استقلاليتها المالية، مع التركيز على تشجيع الاستثمارات الجامعية وتحسين الإدارة المالية. كما يمكن أن تلعب الجامعات الخاصة دورًا في تطوير بيئة التعليم العالي من خلال التعاون مع الجامعات الحكومية، مما يسهم في تبادل الخبرات وتقديم برامج مشتركة تسهم في رفع مستوى التعليم وتحسين الجودة.
علينا جميعًا أن نتصارح ونقول الحقيقة، وهذا يتطلب تكاتف الجهود من جميع الأطراف المعنية. يجب أن يكون لدينا رؤية مشتركة تسعى إلى تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات، مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية الاستثمار في التعليم كمحرك رئيسي للتنمية المستدامة. إن التعامل مع هذه القضايا بجدية وشفافية سيمكن الجامعات من الخروج من دائرة الأزمات المالية إلى آفاق جديدة من النجاح والتميز.