مجتمع وناس

حلويات الحاج محمود حبيبة… حكاية الأثر الذي لا يذوب

 

في أحدى الليالي و رائحة الكنافة والحلويات الشرقية تعبق في المكان، وهي تمتزج بحلاوة الذكريات وعبق البدايات، وفي زاوية المصنع القديم، جلس الحاج محمود حبيبة رحمه الله، يحيط به أحفاده، تتلألأ في عينيه ملامح رجلٍ صنع من الطيبة مهنة، ومن الحلويات حكاية وطنية لا تُنسى.

كان وليد، حفيده والمدير التنفيذي لمجموعة حبيبة للحلويات حاليا، ينصت إليه كما لو كان يسمع سيرة عائلة بأكملها تُروى في جلسة واحدة.
وفي لحظة صمتٍ خاشعة بين ضجيج العمل ودفء الحديث، سأل وليد الجد قائلاً:

جدي… بعد كل هالسنين، شو بدك يضل من حبيبة؟

ابتسم الحاج محمود وهو مؤسس الحلويات في الأردن بهدوءٍ يعرفه من عاشره بهدوئه وحسن معشره، ثم قال كمن يلخص فلسفة عمرٍ كامل:
“بدنا حبيبة تضل للناس… كل الناس.
مش لطبقة بس… بدنا الأثر يضل.”

تلك الجملة البسيطة كانت أشبه بوصيةٍ مقدسة وخطة تسويقية استمرت عليها حبيبة منذ عشرات السنوات.
لم يتحدث عن الأرباح، ولا عن عدد الفروع، ولا عن الأسواق التي اثرتها منتجاتهم.
كان يتحدث عن “الأثر” ذلك الشيء الذي لا يُقاس بالأرقام، بل يُقاس بابتسامة زبونٍ عرف طعم الكرم قبل طعم الكنافة.

يقول وليد:منذ تلك اللحظة اصبحت الجملة بوصلة إلنا…وبين الحين والأخر بنسأل حالنا: هل ما زلنا حبيبة لكل الناس.

في مصنع حبيبة، الأثر لم يكن في التوسع ولا في البريق، بل في البساطة التي تجمع الناس حول الطاولة نفسها.
فقصة حبيبة تبدأ من الطالب اللي بيشتري قطعة صغيرة بعد الدوام، للعامل اللي بيفرح فيها آخر الأسبوع، لرجل الأعمال اللي بقدمها في ضيافته الفاخر؛ فالجميع بيأكلوا نفس الطعم، بنفس الكرم، بنفس الروح.

فالسر كما يقول وليد مش بالوصفات بس،السر بالنية السليمة وراها، بالحُب اللي بينحط بكل خطوة، وبالاحترام اللي تربينا عليه، احترام الناس، احترام الشغل، واحترام الاسم.

وربما أجمل ما في العمل العائلي، أنه لا يذكّرك فقط من أين بدأت، بل يذكّرك لمن تعمل.
ويقول كل يوم يمرّ في حبيبة، هو تذكير بأن النجاح الحقيقي لا يُقاس بالمبيعات، بل بالذكريات التي تتركها عند الناس؛ تلك الذكريات التي تتجدد مع كل لقمة، ومع كل زيارة، ومع كل ابتسامة طفلٍ يتذوق الكنافة لأول مرة.
حبيبة اليوم ليست مجرد علامة تجارية، بل رائحة بيتٍ أردنيٍ قديم، وصوتُ دعاء أم، وضحكةُ جلسةٍ بين الأصدقاء.
وهكذا، تظل “حبيبة” كما أرادها مؤسسها،للناس… كل الناس.اسمٌ من سُكّرٍ، لكنه محفور في الذاكرة بطعمٍ لا يذوب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى