أقلام وآراء

قطر… بناء دولة لا لحظة احتفال

..

مروان التميمي…

في العيد الوطني لدولة قطر لا تعود الذاكرة الى لحظة تأسيس عابرة في الزمن بل الى فكرة دولة تشكلت على مهل ونمت على وعي عميق بمعنى السيادة والمسؤولية. هو يوم يستحضر فيه الوطن مسيرته لا بوصفها سردا تاريخيا بل باعتبارها تجربة متراكمة صنعت ملامح دولة عرفت كيف تبني ذاتها وترسخ حضورها بهدوء وتؤكد مكانتها باحترام لا يفرض بل يكتسب.

 

العيد الوطني القطري احتفاء بالمعنى قبل المظهر وبالنهج قبل الانجاز. فيه تتجلى العلاقة المتينة بين القيادة والشعب علاقة قائمة على ثقة ممتدة ورؤية واضحة وايمان بان الاستقرار ممارسة يومية تتطلب حكمة في القرار وصبرا في البناء.

 

وفي صميم هذه التجربة الوطنية يبرز البعد الداخلي بوصفه حجر الاساس لكل ما تحقق. فقد اولت دولة قطر شعبها عناية خاصة لا بوصفه رقما في معادلة التنمية بل شريكا اصيلا في مشروع الدولة. كان الاستثمار في الانسان اولوية ثابتة تجسدت في سياسات تضع كرامة المواطن وجودة حياته وامنه الاجتماعي في مقدمة الاهتمامات ضمن منظومة خدمات متقدمة وفرص تعليم نوعية ورعاية صحية متكاملة. اما الشعب القطري فكان على قدر هذه الثقة شعبا متماسكا نبيلا في تعاطيه يحمل قيم التسامح والاعتزاز بالوطن في علاقة تقوم على الاحترام المتبادل والاستقرار الراسخ.

 

وتتجلى قيمة القيادة بوصفها الضامن لهذا التوازن حيث يقود حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد ال ثاني امير البلاد المفدى مسيرة الدولة برؤية هادئة ثابتة جعلت من القرب من المواطن ركنا اساسيا في الحكم ومن صون السيادة نهجا لا يحيد ومن العقلانية في ادارة الملفات الداخلية والخارجية سمة دائمة. وفي ظل قيادته تعزز تماسك الجبهة الداخلية وتكرست صورة قطر دولة واثقة بقرارها واضحة في خياراتها.

 

ومن هذا الاتزان الداخلي تبلور حضور قطر الخارجي بوصفه امتدادا طبيعيا لهوية الدولة عبر نهج قائم على الاستقلالية ورجاحة العقل واحترام السيادة والالتزام بالقانون الدولي والانحياز للحلول السلمية دون ارتهان لاستقطابات عابرة.

 

ومع تعقد المشهدين الاقليمي والدولي اثبتت قطر ان الدولة الصغيرة بحجمها يمكن ان تكون كبيرة باثرها عندما تقترن الرؤية بالثبات والدبلوماسية بالعقلانية. كانت حاضرة بروح المبادرة مدركة ان غياب الحوار يفتح ابوابا لا تغلق بالقوة وان كلفة الانقسام اعلى من كلفة التفاهم.

 

ويمتد هذا النهج الى بعده الانساني حيث تعاملت الدولة مع الازمات بوصفها شانا اخلاقيا بقدر ما هو سياسي. كان دعم المتضررين وتخفيف المعاناة جزءا من فهمها لمعنى الدور الدولي المسؤول القائم على الثقة لا على النفوذ العابر.

 

العيد الوطني القطري مناسبة للتامل في مسيرة دولة اختارت ان تكون متماسكة من الداخل متزنة في الخارج واضحة في مواقفها ثابتة في مبادئها. هو يوم يؤكد ان ما وصلت اليه قطر لم يكن نتيجة ظرف موات بل حصيلة رؤية طويلة النفس وقيادة امنت بان المستقبل لا ينتزع بل يبنى وان المكانة الحقيقية لا تفرض بل تستحق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى