مجتمع وناس

سوريا تستعيد إيقاعها

دمشق بعد 5 عقود من الأسر..انطباعات زائر

كتب مروان التميمي…

زرت كنانة الله أو مدينة الياسمين في الذكرى الأولى لسقوط نظام الأسد، وكانت دمشق هذه المرة مختلفة، إذ لم تعد الأصوات تتردد بالخوف، ولا الوجوه تحمل رهبة كل نفس أو التفاتة.

الشوارع مكتظة، لكنها مكتظة بحرية تتحرك بانسيابية، كأن المدينة نفسها تتنفس بعد سنوات من القهر والقتل والاختناق. السيارات تتحرك بسلاسة، والمتاجر مشرعة، والناس يتبادلون التحيات بلا شعور بالخطر المخفي خلف كل زاوية.

 

في الأسواق، من الحميدية أو مدحت باشا أو البزورية، إلى دمشق الجديدة والصالحية، شعرت بالفرق فورًا. تكاليف الحياة لا تزال مرتفعة وتشكل تحديًا واضحًا، وكأنها تهمس لكل مشتري أن التعافي الاقتصادي يحتاج وقتًا وصبرًا.

السوريون هم هم بدماثتهم ورقة أخلاقهم، يتنقلون بين الباعة والمتاجر، يتفاوضون ويحسبون كل ليرة، لكن رغم هذا الواقع، يظهر التزام الناس بالحياة اليومية، وإصرارهم على الاستمرار وبناء مستقبل أكثر استقرارًا.

 

كل حركة في السوق، كل ابتسامة— إن خففها همّ هي شهادة على الصبر وعلى التغيير الجاري.

المؤسسات الحكومية اليوم تظهر أكثر انتظامًا ووضوحًا؛ الموظفون يتحركون بكفاءة، والأوراق تُنجز بسرعة، والخدمات بدأت تلامس المواطن مباشرة.

خلال مراجعتي لمكاتب حكومية، لاحظت كيف أصبح التبسيط الرقمي جزءًا من العمل اليومي؛ لا طوابير طويلة، ولا خوف من التأخير. كل خطوة محسوبة، وكل إجراء واضح، وكأن القيادة الجديدة تقول للشعب: نحن هنا لخدمتكم، لا لإرهابكم.

الأجهزة الأمنية كانت موجودة، لكنها مختلفة؛ أكثر مهنية وأخلاقية، تستمد هيبتها من قدرتها على تنظيم الحياة اليومية وحماية المواطن. شعرت أن هناك سياسة واضحة للقيادة الجديدة، تؤكد الأمن كمدخل لبناء صورة جديدة للدولة في ذهن المواطن.

ورغم هذا التحول، يبقى الجانب المعيشي تحديًا حاضرًا، فأسعار المواد الأساسية ما تزال تضغط على الأسرة، وتؤكد أن الطريق نحو الاستقرار الاقتصادي يحتاج وقتًا وجهدًا. لكن ما يميز المرحلة الحالية هو وجود نظام حاكم يعي هذه التحديات ويخطط لمعالجتها.

المسؤولون تحدثوا عن إصلاحات مستقبلية، وحزم اقتصادية واجتماعية تهدف إلى تحسين مستوى المعيشة، وتحفيز الإنتاج المحلي، وتخفيف الأعباء عن المواطن، والأهم القطع التام مع الماضي الأسود.

قد لا تكون هذه الإصلاحات قد انعكست بعد بشكل ملموس، لكنها موجودة على الطاولة، وكأن دمشق نفسها تنتظر أن تتحول الخطط إلى واقع. فبقدر ما كان التغيير الأمني والإداري ضروريًا لإعادة الثقة، فإن الحفاظ على هذه الثقة مرهون بترجمة هذا الاستقرار إلى تحسن اقتصادي تدريجي.

رحلتي لم تكن مجرد ملاحظات، بل تجربة حيّة؛ ترى المواطن يتحرك بحرية، والموظف يؤدي واجبه، والسوق يعكس واقعًا اقتصاديًا قابلًا للإصلاح. وتدرك أن كل خطوة سياسية أو إدارية تسير ضمن رؤية جديدة للبناء والاستقرار.

دمشقنا اليوم تعلمنا درسًا صعبًا: أن الحرية السياسية والإدارية المكتسبة هي خطوة أولى، وأن التحدي الحقيقي يكمن في تحويل هذا النفس الجديد إلى قوة اقتصادية مستدامة. غير أن الوعي الحكومي بحجم هذا التحدي، ووجود خطط إصلاح واضحة، هو ما يبعث على التفاؤل.

القيادة الجديدة، برئاسة الرئيس أحمد الشرع والطاقم الحكومي، مصممة  لإثبات أن الدولة ليست مجرد حارس للأمن، بل مهندس للازدهار، وأن دمشق التي صبرت خمسة عقود، نادت بالحرية والحياة للجميع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى