أقلام وآراء

سعيد دروزة.. قائد حوّل ” الحكمة ” إلى مدرسة في الريادة

 

كتب مروان التميمي…

حين نتحدث عن قصص النجاح في المنطقة، غالبا ما نسمع عن شركات ناشئة أو استثمارات عابرة للحدود. لكن قصة سعيد دروزة مختلفة؛ فهي حكاية رجل آمن بأن القيادة الحقيقية لا تصنع الضجيج، بل تترك أثراً طويل المدى.

 

ولد سعيد دروزة في عائلة ارتبط اسمها بالصناعة والابتكار، وحين تولى المسؤولية في شركة “الحكمة” لم يتعامل مع الأمر بوصفه منصباً تنفيذياً عادياً، بل اعتبره واجباً تجاه إرث والده وتجاه وطنه. المؤسسة بالنسبة له لم تكن مجرد رقم في السوق، بل كيان اجتماعي واقتصادي يحمل رسالة أكبر من حدود التجارة.

 

امتاز دروزة بعقلية استراتيجية تقوم على التفكير بعيد المدى. فقد أدرك أن المنافسة في قطاع الأدوية لا تُحسم بالقدرة على الإنتاج وحدها، بل بالاستثمار المستمر في البحث العلمي، وبناء شراكات دولية، وإيجاد بنية إدارية مرنة تواكب المتغيرات. لذلك قاد الشركة نحو توسيع حضورها الإقليمي والعالمي، وفي الوقت ذاته عمل على تعزيز بيئة داخلية تضمن استقرار المؤسسة وتماسكها عبر الأجيال.

 

ورغم أن الأرقام تبقى المؤشر التقليدي للنجاح، إلا أن سعيد دروزة كان يؤمن بأن القيم هي ما يحمي الاستمرارية. لذلك جعل من الشفافية والنزاهة والثقة مع العملاء والموظفين ركائز أساسية لعمله، فكان التوازن بين الربحية والالتزام الأخلاقي هو العلامة الفارقة التي ميزت “الحكمة” وجعلتها نموذجاً يحتذى في السوق الأردني والعربي.

 

ولم يقف دوره عند حدود الاقتصاد، بل تجاوزها نحو الحراك الاجتماعي والثقافي. فقد رأى أن الشركات الكبرى لا يمكن أن تعيش بمعزل عن المجتمع، بل يجب أن تكون شريكاً فاعلاً في التنمية. ومن هنا جاءت مساهمات الشركة في مبادرات التعليم والصحة، لتؤكد أن رسالتها تتجاوز إطار الصناعة إلى خدمة الإنسان والمجتمع.

 

إن قصة سعيد دروزة ليست مجرد فصل في تاريخ عائلة أو شركة، بل شهادة حيّة على أن القيادة الرصينة تستطيع أن تبني إرثاً يتجاوز الزمن. لقد أثبت أن النجاح لا يقاس بما يتحقق في يوم أو عام، بل بما يترسخ على مدى عقود، وما يتركه القائد من أثر يلهم الأجيال القادمة. وفي زمن يتسابق فيه كثيرون وراء البريق السريع، يقدّم سعيد دروزة الدليل على أن أعظم إنجاز هو أن تصنع من مؤسستك مدرسة في الريادة، ومن قيمك مرجعية للمستقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى