حد أقصى للدخل

محمود الخطاطبة
في ضوء الأرقام والإحصاءات التي تُشير إلى وجود رواتب خيالية، يتقاضاها البعض، ممن يعملون في القطاعين العام والخاص، والتي تأتي في ظل اتساع الفجوة ما بين طبقات محدودي الدخل والمُتوسطة وتلك العُليا، ووسط غلاء أصبح ظاهرًا للجميع، وواقعًا مريرًا لا مفر منه، يُصاحبه ارتفاع بتكاليف المعيشة، ووضع اقتصادي غير مُبشر.
في ظل ذلك كُله، فإنه بات لزامًا تحديد حد أقصى أو أعلى للدخل، وليس للأجر، فكما يوجد حد أدنى للأجر، والذي يُقدر بـ290 دينارا شهريًا، فإنه من باب الأولى والأصح، للحفاظ على واقع يعيش فيه جميع المواطنين بنوع من العدالة الاجتماعية، وشيء من المُساواة، أن يكون هُنالك حد أقصى للدخل.
وللعلم، فإن هُناك فرقًا ما بين الأجر الأساسي للدخل، والحد الأقصى للدخل، فالأول يتضمن الراتب الأساسي وغلاء المعيشة فقط، بينما الثاني يتضمن عدة بنود أُخرى، كبدل تنقلات، واتصالات، و»مُخاطرة»، وكذلك بدل سائق، فضلًا عن البند الأساس وهو بدل ترؤس الشخص المسؤول للجان، فكما هو معلوم بأن كُل مسؤول يكون إما رئيسًا للجنة ما أو نائبًا لرئيسها.. وهذه البدلات كُلها مدفوعة الثمن، فلا أحد يستهين بها، إذ تصل إلى آلاف الدنانير شهريًا.
نعم، اقترح وضع حد أقصى للدخل، بحيث يتم منع أي مسؤول، أكان عاملًا في القطاع العام، أم القطاع الخاص، أم الهيئات المُستقلة، أم المؤسسات والهيئات شبه الحُكومية، أم الهيئات الاقتصادية، أن يتقاضى أكثر من مبلغ مُعين (يتم تحديده ضمن مُتوسط الرواتب)، ولا يتجاوز أضعاف ما يتحصل عليه الموظف العادي، أو حتى رئيس قسم أو مُدير مُديرية.
أتقدم بهذا الاقتراح، والذي قد ينظر إليه البعض بأنه نوع من الجنون، أو ضرب من الخيال، أو صعب التطبيق، لكنه يتضمن نوعًا من العدالة والمُساواة، خصوصًا أننا في الأردن، نعتمد على الكثير من المنح والمُساعدات، فضلًا عن أن بلدنا يُعتبر من البلدان النامية، وفقير بموارده، بالإضافة إلى أنه يعيش بجوار بلدان، بعضها يُمعن بالإرهاب والاحتلال، وأُخرى تعيش وسط أزمات، إما اقتصادية أو حروب طائفية وفتن، ما أنزل الله به من سلطان.
ومع ذلك، نرى أن بعض مسؤولي القطاعين العام والخاص، والمؤسسات والهيئات المُستقلة، تتقاضى ليس فقط رواتب مُرتفعة، بل يُضاف إليها امتيازات تصل إلى عشرات الآلاف من الدنانير شهريًا، على الرغم من أن مُتوسط الرواتب لأكثرية الموظفين، أكانوا عاملين في القطاع العام أم الخاص، تبلغ ما بين 500 و550 دينارًا.
وفي حال قال أحدهم إن هذا المُقترح من شأنه في حال تم العمل به، أن يكون طاردًا للكفاءات، فالرد عليه يكون بأنه وللأسف، لا يوجد عندنا كفاءات، بالمعنى الحرفي لهذا المُصطلح، فلو كان ذلك صحيحًا لما بقي حالنا هكذا منذ عشرات السنين.. نعم، لا يوجد كفاءات بالمعنى الصحيح، ولو وُجد كفاءات لكان تقدمنا إلى مصاف الكثير من الدول المُتقدمة في أكثر من مجال، أو على الأقل لكُنا قريبين منها كثيرًا أو من الدول المُنافسة لها.
وإن كان هُناك من يُشكك في ذلك، فلينظُر إلى ترتيبنا في سلم التعليم والصحة والنقل والمواصلات والطرق، ثم ليُجب هو بنفسه إن كان مُقترحي على صواب أم خطأ.. نعم، أُقر بأن تطبيقه قد يكون صعبًا، لكنه ليس مُستحيلًا، أو أن المضي فيه قدمًا قد يتضمن صعوبات أو مُعيقات، خصوصًا من قوى الشد العكسي أو المُستفيدين، لكنه في النهاية حل من الحلول، في بلد يُعاني من اقتصاد صعب، وبطالة مُرتفعة، وفقر لم يسلم منه الكثير من الأردنيين.
عندما نضع حدًا أعلى للدخل، سيكون هُناك شبه رضا من أغلبية أو مُعظم الأردنيين، حيث سيكون لسان حالهم، أنه يوجد نوعا ما عدالة في الرواتب على الأقل.