انتخابات على الطريقة السورية

فهد الخيطان
من الصعب على أهل الديمقراطيات العريقة أن يتقبلوا الصيغة التي اشتقها النظام الجديد في سورية للديمقراطية والانتخابات البرلمانية. هيئة ناخبة تنوب عن الأغلبية الشعبية في اختيار ثلثي أعضاء المجلس التشريعي وتعيين الثلث.
النظام الجديد الذي سقطت سورية بين يديه على نحو مفاجئ، لم يكن ليستطيع تنظيم انتخابات عامة في البلاد، في وقت لم يتمكن فيه الحكم من بسط سيطرته على أراضي الدولة كلها، ويفتقر للجهوزية الأمنية والإدارية اللازمة لتنظيم انتخابات في بلد، ظل لستين عاما، ينظم انتخابات صورية هدفها الأول تعزيز سلطة الحزب الواحد والفرد الواحد.
والنظام الجديد، وإن اختلفت مقارباته للحكم، يرى في الديمقراطية البرلمانية الناجزة، ترفا تتقدم عليه أولويات عديدة،وحالة انتقالية تستدعي قبضة قوية على السلطة، لتجاوز أخطار التقسيم، وتهديد انصار النظام السابق، وتدخلات القوى الخارجية، وضمان عودة ملايين السوريين اللاجئين والنازحين إلى ديارهم.
بيد أن الطريقة السورية المبتكرة للتمثيل الشعبي، تحتل مكانتها كسابقة في التحولات الديمقراطية التي شهدتها بلدان المنطقة إبان ثورات الربيع العربي، إذ لم يسبق لدولة أن اختارت هذا الطريق لتأسيس الجمهورية البرلمانية.
لكننا لا نعلم من كان يملك الصواب فيما اختط من نهج لمرحلة انتقالية، فالدول التي تبنت خيار الانتخابات العامة بعد سقوط الأنظمة القديمة مباشرة، غرقت في أزمات سياسية، كادت تطيح بكيانها، كما حصل في مصر. ومنها من ارتدت شعوبها عن المشاركة في الانتخابات، وعافت الديمقراطية والأحزاب وصناديق الاقتراع، مثلما هو الحال في تونس، التي انتقلت تدريجيا إلى نظام الرئيس الحاكم، عوضا عن التعددية الحزبية والبرلمانية.
ولا ننسى بالطبع التجربة الديمقراطية المريرة للعراق، التي نقلت السلطة من حكم فردي مطلق، إلى زعماء الطوائف، تحت يافطة أحزاب طائفية تتقاسم الحكم ومغانمه.
سورية اختارت طريقا بديلا عن تجارب التحول الديمقراطي العربي، يقول قادتها إنه طريق اضطراري مؤقت، فرضته أحوال البلاد المنكوبة بتداعيات حرب أهلية طاحنة، وانهيار اقتصادي عميق.
لكن تجارب العرب والعروبة عودتنا، أن الأوضاع المؤقتة، تغدو دائمة مع مرور الوقت. لها انصار يدافعون عنها، وقوى مستفيدة، وهياكل سلطة يصعب زعزعتها. ومع مرور الوقت يألف الناس الوضع القائم، ولا تجد منهم من يخاطر في المطالبة بتغييره، خوفا من العودة إلى زمن الحروب الداخلية والصراعات الأهلية، وما تجره من ويلات.
لم يقل النظام الجديد هذا بعد، ويكتفي أركانه بالتأكيد أن البلاد ولخمس سنوات مقبلة على الأقل، ستدار بالصلاحيات الاستثنائية، واليد القوية، لضمان انتقال الدولة لحالة الاستقرار التي تؤهلها الدخول في مرحلة ديمقراطية تقوم على التعددية الحزبية.
على ما يبدو أن عموم السوريين قد استوعبوا هذه المقاربة، ففي ظل الأوضاع الاقتصادية والأمنية والاجتماعية المتدهورة، لا يجد الناس متسعا لسؤال الديمقراطية والانتخابات. لكن الحاجة لإطار شرعي لتمرير القوانين ودعم السياسات الجديدة، تطلبت وجود مجلس تشريعي، خاصة وأن الدول والهيئات الدولية والمستثمرين، يضعون هذا الشرط قبل إجراء تعاقدات أو تمويل مشاريع، أو اعتماد برامج دعم اقتصادي.
الفاعلون الغربيون، وفي المقدمة الولايات المتحدة، لم يعترضوا على الطريقة السورية في تنظيم الانتخابات، ولعلهم شاركوا في ابتكارها، منطلقين هذه المرة من فهم موضوعي أكثر للحالة العربية، أو ما يمكن أن نسميها الخصوصية العربية، التي تحدت كل أشكال الانتخابات، وفرضت قواعدها على صناديق الاقتراع. وها هي سورية تقدم نموذجا جديدا.